في بداية كل علاقة زوجية تقام بين رجل وامرأة في الإسلام، يقوم المأذون الشرعي بدوراً مهماً وحيوياً في تثبيت أسس هذه العلاقة بإجراء العقد وفق الضوابط الشرعية المرعية. فهو الشاهد والموثق الذي يشهد على تأسيس هذا الاقتران بالطريقة الشرعية والنظامية. إن دور مأذون شرعي لا يقتصر فقط على توثيق العقد الزواجي، بل يتعداه إلى توجيه الزوجين بأهمية الزواج في الدين والدنيا، وتذكيرهم بحقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر وتجاه الله تعالى. حيث يساهم بشكل كبير في بناء مجتمع صالح يقوم على أسس دينية سليمة وقيم إنسانية نبيلة. وفي هذا المقال سوف نتعرف على دعائم البيت الزوجي، ومراحل عقد الزواج بواسطة مأذون الشريعة، وأهمية التوافق بين القوانين الشرعية والقانونية في عقد النكاح.
دعائم العرش الزوجي
إن النكاح إرادة ربانية تتجلى فيها حكمة الخالق، فهو علاقة تهدف إلى تكوين الأسرة وبناء المجتمع وتعمير الأرض. وقد جعل الله هذه العلاقة أساساً لتعارف الأزواج وتبادل المودة والرحمة، حيث يتمثل الوفاء بالعهد الزوجي في تحقيق السلام والسعادة في الحياة. وأفاضت محبةً جمعت بين قلبين متناكرين بالميثاق الغليظ؛ حتى تصافيا في أمد قليل. يقول الله – تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. ومن هنا يتجلى أهمية مأذون شرعي في تسهيل هذه العقدة المقدسة، فهو الوسيط بين الزوجين ليجعلها مأوى للمودة والرحمة. وبات ذاك الصرح الزوجي من أقوى ما رعى الإسلام حفظه، ومن أشد ما سلط عليه الشيطان حربه؛ لبركة ثمر نجاحه، وفدح خسر إخفاقه. يقول رسول الله -صل الله عليه وسلم-: ” إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ” رواه مسلم.
إن أعظم صائن لعرش الزوجية من التصدع والتقويض إدراك دعائم ذلك البناء الذي يقوم عليها وتعاهدها بالرعاية. وقد أبان القرآن الكريم تلك الدعائم في قول الله – تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]؛ فالسكن والمودة والرحمة ثلاث دعائم لعرش الزوجية المنيف.
ومن رحمة الله أن جعل عرش الزواج يقوم بوجود واحدة من هذه الدعائم، وإن اختل بقيتها، والتمام بالتمام، والهدم بالعدم. يقول ابن كثير – رحمه الله -: “مِنْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ بِبَنِي آدَمَ أَنْ جَعَلَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ مَوَدَّةً، وَهِيَ الْمَحَبَّةُ، وَرَحْمَةً، وَهِيَ الرَّأْفَةُ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ الْمَرْأَةَ إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، أَوْ لِرَحْمَةٍ بِهَا، بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، أَوْ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ، أَوْ لِلْأُلْفَةِ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ”. روى الخرائطي بسند صحيح أن رجلاً قال لامرأته: نشدتك باللَّه هل تحبيني؟ فقالت: أما إِذ نشدتني باللَّه، فلا، فخرج حَتى أتى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، فأرسل إليها، فقال: أنت التي تقولِين لزوجك: لا أحبك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين نشدني باللَّه، أفأكذب؟ قال: نعم، فاكذبيه؛ ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإِسلام والأحساب.
يعتبر السكن الزوجي من أعظم مقاصد تشريع النكاح، حيث يؤكد الله -تعالى- في كتابه الكريم: -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]. كما يعتبر السكن الزوجي مصدرًا الطمأنينة والأمان، حيث يحاط الزوجان بروح من التآلف والمودة، وتتراكم اللحظات السعيدة والمشتركة وتمنحهم الراحة والاستقرار النفسي والجسدي. وقد أبان النبي – صل الله عليه وسلم – أثر ذلك في تسكين اضطراب الرجل بهيْجِ غُلْمته إذ يقول: “إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ” رواه مسلم. والأبحاث الطبية تؤكد ما للنكاح من أثر على الزوجين في تحسين صحتهما الجسدية والنفسية.
إن لرعاية السكن الزوجي أثراً حسناً في العلاقة الزوجية، وذلك يقضي على الزوجين بالاهتمام بما يفيض حسناً على سكنهما، ومعالجة منغصات استقرار السكن؛ فعمارة البيت بالطاعة، وتحصينه بالأذكار، وإقامته على العدل حال التعدد، وقيام الرجل بدور القوامة الشرعي، واستقلال المنزل، ونظافته، وذكاء رائحته، وحسن اختيار جواره، وتجميل أثاثه، وتغيير هذا الأثاث أو تغيير ترتيبه بين الوقت والآخر، وإزالة مهيجات الاضطراب، كالصراخ، ووجود ما يمنع دخول الملائكة كالكلاب والصور، ونأي الزوجين بنقاشهما الحاد عن الأولاد، واحتواء خلافاتهما داخل أروقة المنزل دون نشرها للأقارب والأصدقاء – كل ذلك من أسباب طمأنينة البيوت وزيادتها. ومن شأن اطمئنان البيت صحة نفسية أهله، ونجاحهم في الحياة، والعكس بالعكس.
والمودة من دعائم العرش الزوجي، وهي المحبة الخالصة التي يجعلها الودود – سبحانه – بين الزوجين؛ فيفيض بركتها عليهما ليناً في التعامل، وتركاً للتكلف، وبعداً عن الاستقصاء، وبشاشة في المحيا، ومؤانسة في الحديث، وملاطفة وممازحة مقبولة، وتوسعة في العطاء، وتغافراً للزلات، ومبادرةً بالاعتذار حال الخطأ، وإكراماً للأهل والصديق، وبحثاً عن المحاسن دون اقتصار على المساوئ. وكل ذلك فيض من غيض هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في موادته أهلَه. ألا وإن من حصافة الزوجين وجودة عقلهما إظهار التواد بينهما؛ بإفصاحٍ عن الحب قولاً وفعلاً، وإظهار للاشتياق والإعجاب، وترخيم للاسم والتكنية، والميلِ لما يهوى الآخر مما لا يحرم، وتعاهدِ الإهداء، والتشاور بينهما، والاختلاء ببعضهما في نُزَهٍ وسفر، وإشهار كل واحد منهما تقديره للآخر أمام الأولاد – كل هذه الأمور من شأنها زيادة مخزون المودة في قلب الزوجين نحو بعضهما، ولذلك عاقبة الحمد في العلاقة الزوجية؛ فيضاً في المحبة، واستصلاحاً للخلل.
أسئلة شائعة حول مأذون شرعي
كيف اجيب مأذون شرعي؟
للحصول على مأذون شرعي يجب التوجه إلى منصة العدل وتقديم البيانات والأوراق المطلوبة لعقد الزواج، ثم تحديد موعد للزواج بالتنسيق مع المأذون وتوثيق العقد بحضور المأذون والشهود.
هل يجوز النكاح بدون مأذون؟
لا، في المملكة العربية السعودية، يجب أن يتم عقد الزواج بواسطة مأذون شرعي، ولا يجوز النكاح بدونه.
ماذا يعني مأذون شرعي؟
المأذون الشرعي هو شخص معتمد لديه السلطة لعقد الزواج وفقًا للشريعة الإسلامية، ويتمتع بصلاحيات رسمية لتأكيد صحة العقد وشرعيته.
هل ماذون الانكحه ياخذ فلوس؟
نعم، مأذون الزواج يأخذ رسوم مالية مقابل خدماته في عقد الزواج.
وفي الختام، يظهر دور المأذون الشرعي كأحد أعمدة بناء المجتمع الإسلامي، حيث يسهم في ترسيخ قيم العدل والاستقرار والمودة بين الأزواج. إن تأملنا في دور مأذون شرعي يجعلنا ندرك عمق الحكمة الإلهية في تشريع الزواج، وأهميته في بناء مجتمع مترابط يسوده السلام والتعاون. فلنحترم ونقدر دور المأذون الشرعي، ولندعو الله أن يوفقهم ويجعل عملهم في ميزان حسناتهم، وأن يديم عليهم العافية والتوفيق في خدمة المجتمع وتيسير شؤون الزواج بما يرضي الله عز وجل.