في دين الإسلام، عقد النكاح من أهم الشعائر التي تربط بين الرجل والمرأة بشكل شرعي ودائم. وتعتبر صيغة عقد النكاح تأسيسًا للحياة الزوجية بناءً على القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وتتضمن صيغة عقد النكاح الإيجاب والقبول مع رضا الطرفين وشروط الزواج المتفق عليها، مع التأكيد على النية الصافية والموافقة الحرة من الطرفين. 

يتمثل جوهر صيغة عقد النكاح في الإيجاب من الولي والقبول من الزوج مع تحقق رضا الطرفين الزوج والزوجة والتي تتضمن الإقرار بالزواج والالتزام بحقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر، وتعكس الروحانية والتفاني في بناء أسرة مسلمة مستقرة ومتماسكة.

وفي هذا المقال سوف نتعرف على أركان عقد النكاح، ومفهوم الإيجاب والقبول، والألفاظ التي يتم بها الإيجاب والقبول، وشروط يجب توفرها في الإيجاب والقبول.

أركان عقد النكاح

الأصل في عقد النكاح، كغيره من العقود، أن يكون بما يدل على إرادة العاقدين. ونظرًا لأن الرضى هو الأساس في العقود، والذي لا يمكن الوصول إليه بشكل مباشر؛ لأنه مسألة تتعلق بالقلب، فقد اعتبر الشرع الإيجاب والقبول دليلاً ظاهرًا على الرضا. 

وهناك اختلاف بين أهل العلم في الأركان الحقيقية لصيغة عقد النكاح؛ فرأى البعض أنها ثلاثة: العاقدين، والإيجاب والقبول، ومكان العقد (المعقود عليه). ورأى آخرون أن الأركان هي الإيجاب والقبول فقط. والرأي الراجح أن ركن عقد النكاح هو الإيجاب والقبول فقط، لأنهما يفترضان وجود العاقدين، فلا داعي لذكرهما عند بيان شروط عقد النكاح

مفهوم الإيجاب والقبول

في بداية الأمر، يجب فهم المعنى الشرعي لكل من الإيجاب والقبول قبل التدقيق في مضمونهما من حيث ألفاظهما وشروطهما:

– الإيجاب: هو الكلام الذي ينطلق أولاً من أحد العاقدين، معبراً عن موافقته على العقد.

– القبول: هو الكلام الذي يأتي من العاقد الثاني، معبراً عن موافقته على ما قيل من الإيجاب من العاقد الأول.

الألفاظ التي يتم بها الإيجاب والقبول

لا خلاف بين الفقهاء في انعقاد العقد بلفظ الإنكاح والتزويج والجواب عنهما؛ لأنهما لفظان صريحان من حيث دلالتهما الصريحة على النكاح، والمعلوم أن اللفظ الصريح هو اللفظ الذي يدل على معنى واحد لا خلاف فيه، وقد جاءت النصوص الشرعية في سياق النكاح بهذين اللفظين.

 قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، وقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ [الأحزاب: 37]، فهذان اللفظان لا خلاف عند الفقهاء في دلالتهما على النكاح، وسواء اتفقا الطرفان على لفظ واحد أو اختلفا، بمعنى لو قال الأول زوجتك بنتي، فقال الآخر قبلت زواجها، أو قال الأول زوجتك بنتي، فقال الآخر قبلت نكاحها.

واختلفوا بعد ذلك في انعقاد النكاح بغير هذين اللفظين على مذاهب ثلاثة

المذهب الأول

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظي الإنكاح والتزويج: مستدلين بما يأتي:

– أولاً: قوله تعالى: ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأحزاب: 50]، وجه الدلالة أن الله سبحانه جعل لفظ الهبة خاصة برسوله دون سائر المؤمنين.

– ثانياً: بقوله عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع بعرفة: ” فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله “، وكلمة الله التي ذكرت في القرآن هي الزواج والنكاح.

– ثالثاً: واستدلوا بأن الألفاظ الأخرى غير النكاح والزواج ليست صريحة في الدلالة عليهما، بل هي ألفاظ كنائية، وألفاظ الكناية لا تعلم إلا بالنية ولا يمكن للشهود الاطلاع عليها، والشهادة شرط في صحة النكاح، فلا ينعقد بغير لفظ النكاح والزواج.

المذهب الثاني

ذهب أبو حنيفة إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء، فيصح بكل لفظ يدل على تمليك الأعيان، مستدلين بما يأتي:

– أولاً: ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: ” قد ملكتكها بما معك من القرآن “.

– ثانياً: أنه لفظ انعقد به نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فهو دليل على الجواز ويكون حكمه حكم لفظ الزواج والنكاح.

المذهب الثالث

ذهب مالك بن أنس إلى انعقاد النكاح بلفظ الهبة فقط إذا ذكر معها المهر، واشتراطهم ذكر المهر ليكون قرينة على إرادة النكاح من هذه الألفاظ.

 

والراجح فيما يصح به من ألفاظ الإيجاب والقبول في النكاح أن يقال: ينبغي استعمال لفظ التزويج أو الإنكاح في الإيجاب والقبول في عقد النكاح؛ لأن هذين اللفظين هما أدل من غيرهما على إرادة عقد النكاح المعروف، ولأنه لا خلاف في صحة هذا الاستعمال ولا في انعقاد عقد النكاح به، ولا وجه لاستعمال غيرهما من الألفاظ إلا في مكان أو بين قوم لا يرون بأساً في استعمال غير هذين اللفظين في النكاح، أو أنهم اعتادوا استعمال لفظي الزواج والنكاح وغيرهما من الألفاظ الجائز استعمالها، ويعتبرون النكاح منعقداً بها.

شروط يجب توفرها في الإيجاب والقبول

يشترط في صيغة عقد النكاح ما يأتي:

1- أن تكون دالة على إنشاء العقد

الأصل في صيغة عقد النكاح أن تكون بلفظ الماضي؛ لأنه يدل على إنشاء العقد، أما صيغ المضارع والأمر، فإنها لا تدل على إنشاء العقد إلا بقرينة لاحتمالها المساومة أو التمهيد لإنشاء العقد، ويستثنى من ذلك عقد النكاح فإنه يجوز إنشاؤه بلفظين أحدهما للماضي والآخر للمستقبل أو الحال؛ لأن الذي يمنع الإيجاب بصيغة المستقبل هو احتمال المساومة وذلك بعيد في عقد النكاح؛ لأنه يسبقه تمهيدات ومقدمات تبعد معنى المساومة وتعين إرادة إنشاء العقد في الحال، مثاله:

  • يقول: زوجني ابنتك، فيقول وليها: قبلت الزواج.
  • يقول: أتزوج ابنتك بمهر كذا، فيقول وليها: قبلت زواجك منها، أو يقول: أتزوجك بمهر كذا، فتقول: قبلت زواجي منك.
  • يقول: تزوجت ابنتك على مهر قدره كذا، فيقول وليها: أقبل الزواج، أو يقول: تزوجتك على مهر قدره كذا، فتقول: أقبل الزواج.

فهذه الصور السابقة يصح العقد بها؛ لأن القرينة تدل على أنهما لا يريدان المساومة، وإنما يريدان التنجيز وإكمال العقد، ولكن الذي يلزم التنبيه عليه أن عقد النكاح لا ينعقد إذا كان مضافاً إلى المستقبل وهذا بالاتفاق، كأن يقول: زوجني ابنتك بعد شهر، أو زوجيني نفسك بعد سنة، فهذه الصيغ لا ينشأ بها عقد النكاح؛ لعدم ترتب آثار العقد عليها؛ فعقد النكاح تترتب عليه آثاره في الحال، وليس في المستقبل.

2- ألا تكون الصيغة معلقة على شرط لا يمكن تحققه

وذلك بأن يجعل تحقق إنشاء العقد معلقاً على وجود أمر آخر يمكن أن يتحقق ويمكن ألا يتحقق، كقوله: تزوجت ابنتك إذا نجحت، أو أتيت من السفر، أو جاء فلان، أو خرج فلان، ففي هذه الحالة لا ينعقد النكاح حتى ولو تحقق الشرط؛ لأن آثار عقد النكاح تترتب عليه في الحال، وهذا التعليق على الأمر لا يرتب آثاره في الحال.

3- ألا تكون الصيغة دالة على التأقيت

ومعنى هذا أن يكون العقد على سبيل الدوام والتأبيد لا التوقيت، وبهذا يعد نكاح المتعة والنكاح المؤقت باطلين، وقد دلت النصوص الشرعية كتاباً وسنة على بطلانهما، كذا انعقد الإجماع المعتبر على بطلانهما، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 5 – 7]

 ووجه الدلالة أن الله حرم الجماع إلا عن طريقين: النكاح، وملك اليمين، وليست المتعة نكاحاً ولا ملك يمين، فتكون محرمة، والدليل على أنها ليست بنكاح، أنها ترتفع من غير طلاق ولا فرقة ولا نفقة ولا يجري بها التوارث، ومن الأدلة على ذلك أيضاً قول علي رضي الله عنه كما في رواية الصحيحين وغيرهما: ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة يوم خيبر “

وحديث الربيع بن سبرة عن أبيه يوم فتح مكة كما في رواية مسلم أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ” يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً “.

 

                             تابع مقالات وأخبار 

أسئلة شائعة حول صيغة عقد النكاح

ما هي الصيغة الصحيحة التي يتم بها عقد النكاح؟ 

صيغة عقد النكاح تتضمن الإيجاب والقبول وشهود عدول، ويجب أن تتم بحضور الزوجين وولي الزوجة وشاهدين.

 

كيف تكون صيغة العقد الشرعي؟ 

صيغة عقد النكاح تشمل قبول الزواج من الزوجين بشكل صريح وواضح، وتأييد الشهود لهذا القبول بحضور الولي وفق شروط الشريعة الإسلامية.

 

ماذا يكتب في عقد الزواج الشرعي؟ 

في عقد الزواج، يدون أسماء الزوجين والولي والشهود والمهر والشروط، وتوقيع الأطراف و الشهود عليه والآن التوقيع أصبح إلكترونياً بالمصادقة الإلكترونية ويمكنك تقديم طلب زواج إلكتروني.

 

كيف يتم كتابة عقد النكاح؟ 

يتم إنشاء عقد زواج شرعى بواسطة أحد الأطراف الثلاثة وذلك عبر ناجز وهم: الزوج أو الزوجة أو الولي وذلك بتعبئة بيانات الزوجين والشهود ويثبتها في الطلب و تحتوي على شروط العقد ومصادقة الطرفين والولي والشهود.

 

في الختام، عندما نبحث عن الصيغة المثالية لعقد النكاح، نجد في الشريعة الإسلامية الدليل الواضح حيث بين القرآن والسنة النبوية الضوابط والتوجيهات الواضحة لعقد النكاح، مما يؤكد على أهمية هذا العقد، وقيام مأذون شرعي بتوثيقه بحضور الشهود والولي لضمان صحة العقد.

 

لا تعليقات بعد. أضف أول تعليق


اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *